مسلسل درامي في رمضان يحكي فترة حكم "معاوية بن أبي سفيان ".. يفجر صراعا جديدا

 

تعتزم قناة "البي.بي.سي "الموالية للسعودية بث مسلسل درامي تاريخي  في شهر رمضان القادم تحت اسم  “معاوية بن أبي سفيان”،ويعد هذا المسلسل هو  الأضخم  في تاريخ أعمال  الدراما العربية، الذي كلف إنتاجه  100مليون دولار ، وهو من إنتاج شركة MBC، وتأليف الكاتب  الصحفي خالد صلاح ،وبطولة الفنان السوري لجين إسماعيل الذي أدى دور البطل في المسلسل " معاوية " ،والمسلسل من إخراج المخرج  المصري  طارق العريان..

ويجري حالياً تصوير المشاهد الأخيرة من المسلسل في تونس،قبل عرضه في  شهر رمضان القادم ،وسط اعتراض واسع من قبل أتباع المذهب الشيعي ،وتصدر هذا الاعتراض  المرجع الشيعي " مقتدى الصدر"  .

ووصف " الصدر " الحاكم الأمومي معاوية بن أبي سفيان في تغريده له في تويتر " بأنه رأس الفتنة الطائفية وأول من سن سب الصحابة وأول من خرج عن إمام زمانه ،وأول من شق صف الوحدة الإسلامية ،وأول من قتل الصحابة "،و أعتبر  المرجع الشيعي " الصدر" بث مثل هذه المسلسلات ؛مخالفا للسياسات المعتدلة التي انتهجتها المملكة العربية السعودية الشقيقة في الآونة الآخيرة تجاه المخالفين لها في المذهب ،موجها مناشدته  للسلطات السعودية بقوله :" لاداعي لجرح مشاعر إخوتكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها".

من هو معاوية بن أبي سفيان ؟!

يقول الكاتب الصحفي ياسين التميمي : هو معاوية بن أبي سفيان صحابي جليل ،وأحد كتاب الوحي وصهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،وكان أحد رجال الدولة في عهد صدر الإسلام ،حكم إقليماإستراتيجيا في تخوم الدولة البيزنطية العظمى آئنذاك  ،وحافظ على الثغور وفتح وارسل الغزوات  إلى عمق الدولة البيزنطية،وكرس دوره كأحد أعظم  الآباء والمؤسسين للدولة العربية الإسلامية الكبرى ،بعد الخلافة الراشدة .

ويدلي هنا الصحفي فتحي أبو النصر برأيه قائلا : بعيدا  عن  التقديس أو الشتم للأتباع  بينه وبين الصحابي علي بن أبي طالب .. أقول كمحايد: شئتم أم أبيتم..كان وسيظل" معاوية "  مؤسس الإمبراطورية الإسلامية العربية الكبرى. .وله الفخر والعز كله في أقاصي التاريخ ووجدان الأمة".

ماهي توقعات الجمهور تجاه المسلسل من الناحية الفنية والقيمة العلمية ؟!

يجيب هنا أستاذ النقد الأدبي في جامعة صنعاء  الدكتور قايد عقلان بقوله : "لا تتوقعوا أن تجدوا في مسلسل معاوية شخصية معاوية كما هي في التاريخ، بل كما هي في خيال صناع المسلسل.

ويضيف " عقلان " : المسلسلات التي تتناول شخصيات تاريخية هي في الأول والأخير أعمال فنية وليست تاريخا، أي أن ما ستشاهده عمل فني لعب الخيال فيه لعبته، وتدخل فيه الفن لصناعة شخصية تجذب المشاهد، ولن تشاهد مطلقا حقائق تاريخية مهمة.

ويتابع " عقلان" :  المسلسلات والأفلام دائما تقدم  المتعة والفرجة، ولاتقدم  معلومات وحقائق تاريخية، فالمصداقية والدقة التاريخية مطلوبة من المؤرخين، وليست من صناع الأفلام والمسلسلات ..

ويسخر الصحفي  عبدالسلام الشريحي من المعارضين لعرض المسلسل قائلا : 

"ما يضحكك إلا اللي يقول مسلسل معاوية يثير الفتنة ؛ قد هم ليل نهار يسبوه ويلعنوه ،ويمنعوا الناس يتسموا باسمه، وبيعملوا أي جريمة باللي يناصره،أيش باقي من فتنة؟!

ويضيف " الشريحي " : على العموم أنا منتظر وأتمنى إنصاف معاوية رجل الدولة القوي بالمسلسل،أما قضية المعارك ما عادوش وقت ولا في فائدة نقيم معركة لها 1400 سنة!

ويقول الناشط عبدالرقيب البوكيري  : جلسوا يشوهوا بسمعة معاوية بن أبي سفيان في أذهاننا طريق طريق ؛لأنه بس منع توريث دين الله؛ وقطع الطريق على أصحاب البصائر الفاسدة والموهومة،وفي الفتوحات شوف إلى أين وصل بالإسلام في عهده؟!

 

ويستطرد " البوكيري  " في حديثه عن معاوية  قائلا : في البلاغة شاعر ومفوّه لا يشق له غبار،وهو صاحب اللبنات الأولى لتأسيس الحضارة العربية، هذه التي  نذكرها الآن بحسرة كيف كانت متقدمة زمان في مختلف العلوم والآدابُ؛لافتا إن التاريخ الإسلامي تاريخ مليئ بالتزوير والمغالطات،والمبالغات ،فالمسلسلات التاريخية هي مبينة على تلك المغالطات، سواء كانت السنية منها  أو الشيعية.

مستدركا في حديثه : إن  معاوية سيظل  شخصية محورية وهامة في التاريخ الإسلامي ،وتأثيره كبير جدا سلبا أو ايجابا.

ويستشهد  " البوكري " بمقولة لمعاوية تلخص تعريف السياسة في التاريخ الإسلامي : 

" لا أضع سيفي حيث يكفيني صوتي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبني الناس شعرة ما انقطعت، كنت إذا مدوها أرخيتها  وإذا خلوها مددتها".

ويقول الشاعر والناقد الأدبي الدكتور صادق القاضي :"بعيدا عن الطائفية والكلام الفارغ.. معاوية بن أبي سفيان أحد أبرز وأعظم عباقرة التاريخ العربي الإسلامي، على الإطلاق،بل هو مؤسس الإمبراطورية العربية الإسلامية،يستحق أن يدشن حوله عدد كبير من المسلسلات والأفلام والكتب؛ومن المؤسف أن ذلك لم يحدث حتى الآن إلا في حدود ضيقة.

ماهي أبرز الانتقادات لحكم معاوية بن إبي سفيان ؟!

يرى المنتقدون لحكم معاوية إنه قد حول الحكم الراشدي من شوروي  إلى حكم وراثي ،وإن هذا الصراع له إمتداد تاريخي  عندما استولى المهاجرون على الحكم وأزاحوا الأنصار الذين ذهبوا  بعد ذلك يستذكرون الزمن الجميل بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم وتقديره ومحبته ووصاياه بهم؛و نسيت قريش هذه الوصايا  وتوجوا هذا النسيان والتهميش باغتيال الزعيم سعد بن عبادة، ولولا الأحداث الكبيرة التي شغلت الفريقين عن مناجزة بعضهما كحروب الردة وما تلاها من أحداث ؛لحدثت الفرقة والخصام .

وعندما قامت الحرب بين بني أمية وبني هاشم ؛انضم أغلب الأنصار لبني هاشم ليس حبا لهم ،ولكن من باب عدو عدوي صديقي ؛ذلك لأن علي رضي عنه ؛ كان يعتبر معارضة لسلطة قائمة ؛ولأن الأنصار نالوا معاملة لا بأس بها من بعضهم ،وفي هذا أبيات شعرية لعبد الرحمن بن حسان موجودة في كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين لمن أراد استطلاع المزيد في هذا الباب .

ولأن  بني هاشم. شعروا بالتهميش منذ السقيفة حتى ولاية الخليفة علي أبي  طالب رضي الله عنه ؛إضافة إلى عودة الهجاء بين شعراء الأنصار وشعراء قريش، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه  وضع حدا لذلك، ثم عاد مجددا بعد تولية يزيد واحتد أيام حكم معاوية ،إلا أن معاوية كان يستخدم حنكته في احتواء الصراعات الداخلية ،والحقيقة إن هذا الانزياح نحو هذا أو ذاك لم يكن من باب الولاء أكثر مما كان مماحكات وصراعات عصبية؛ أججها استئثار قريش بالحكم ؛كما هو حال اليمني في الوقت الحالي ،بعد أن لحقته أضرار بني هاشم،و شعر أن عليه الميل نحو بني أمية نكاية ببني هاشم.

هل نحن بحاجة إلى انتاج مسلسل يكلف 100مليون دولار ..لاحياء صراع تاريخي عمره 1400عام ؟!

يقول أحدهم ساخرا : إسلامنا اليوم ينفق (100) مليون دولار؛ لإنتاج مسلسل درامي عن سيرة معاوية بن أبي سفيان، وآلاف البشر من المسلمين تحت الأنقاض، وفي مخيمات النازحين، وفي ملاجئ أوروبا؛الجحيم تنتظرنا إذن!

ويشاطره الرأي الصحفي عبدالقوي شعلان بقوله : 

العقل العربي يدفع 100مليون دولار؛ علشان ينتج مسلسل يحكي عن صراع معاوية وعلي قبل 1400عام؛هذا عقل عربي أقصى ما يبدعه مسلسل في شهر رمضان بمبلغ ضخم ، ومسلسل ضخم ، مالذي سيغيره في العقل العربي ؟

مشيرا إلى إن العقل العربي يحتاج إلى جامعات عالمية خاصة بالعلوم والتكنولوجيا فقط ! 

ويعلق الناشط الشبابي عامر الهادي قائلا : أنا لست من (شيعة علي) ولا من (أنصار معاوية)، أنا من أنصار المستقبل، والعلم، والعدل، والمساواة، في الحقوق والحريات ، والعيش الكريم .

 

وماذا عن المؤلف والمخرج و شخصيات المسلسل الدرامي  ؟!

يقول الصحفي مصطفى راجح إن مسلسل معاوية كان يحتاج إلى  مخرج مثل حاتم علي وكاتب سيناريو مثل ممدوح عدوان ،وكل المخرجين المصريين عبر تاريخ التلفزيون والسينما المصرية ما يساوووش حاتم علي !

ويضيف" راجح"  : موضوع تاريخي من هذا العيار لا يقوى عليه المصريين أبداً؛ولن يصل " معاوية " إلى مستوى " الزير سالم "أو ربيع قرطبة أو مسلسل الحجاج.

وهناك من يرى إنه في ظل  غياب المخرج حاتم علي ،يظل خيار المخرج المصري طارق العريان هو أفضل الخيارات المتاحة لانتاج مثل هذا المسلسل التاريخي الضخم ..

هل التقليب في الماضي ذو نفع وفائدة للأمة الإسلامية؟!

هناك من يرى إن النبش في تراث الأمة لايزيد إلا الفرقة وتمزيق الصف،وإن الانهماك والادمان والعودة إلى الوراء ،مجرد تثوير لمآسينا الدامية وتوسيع الحروب المذهبية والطائفية،وإن البحث في قضايانا المعاصرة آولى من البحث في قضايا الزمن الغابر .

إلا إن  الناشط الشبابي "محمد عبدالمغني "يحمل وجهة نظر مغايرة  إذ يرى إن التقليب المستمر في صفحات التاريخ مهم؛ لمعرفة ماذا يجب أن نفعل للمستقبل، إنها رحلة طويلة من البحث لمعرفة الحقائق ،غير ان البعض يستخدم نفس هذه الأداة؛ لدعم حجج تقود الناس إلى الاستمرار في الصراعات الصفرية، التي لم يحسمها التاريخ ولايبدو إن الحاضر ولا المستقبل  مستعدا للإجابة عن ذلك...

ختاما : حتى كتابة هذا التقرير لا تزال السلطات السعودية، وشركة الإنتاج للمسلسل ملتزمة الصمت ،ولم يتضح بعد فيما إذا كانت هناك استجابة لنداءات المرجع الشيعي ( مقتدى الصدر) في ايقاف بث المسلسل، أم إن المسلسل سيمضي في طريقه إلى الشاشة الصغيرة ،متجاهلا تلك المطالب التي من المتوقع أن تزيد من حدة الشرخ وتصدع العلاقة بين أتباع المذهب السني والشيعي ،في سياق حروب و صراعات مذهبية وطائفية، لم تسلم منها البلاد العربية وماتزال تعاني من مرارتها بلادنا اليمن حتى اليوم.